سورة النمل - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)}
{اْرجِعِ} أمر للرسول ولم يجمع الضمير كما جمعه فيما تقدم من قوله: {أتمدونني} [النمل: 36] إلخ لاختصاص الرجوع به بخلاف الإمداد ونحوه، وقيل: هو أمر للهدهد محملًا كتابًا آخر وأخرج ذلك ابن أبي حاتم عن زهير بن زهير.
وتعقب بأنه ضعيف دراية ورواية. وقرأ عبد الله {الحاكمين ارجعوا} على أنه أمر للمرسلين والفعل هنا لازم أي انقلب وانصرف {إِلَيْهِمُ} أي إلى بلقيس وقومها {فَلَنَأْتِيَنَّهُم} أي فوالله لنأتينهم {بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أي لا طاقة لهم قاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وأصل القبل المقابلة فجعل مجازًا أو كناية عن الطاقة والقدرة عليها. وقرأ عبد الله {بِهِمُ} {وَلَنُخْرِجَنَّهُم} عطف على جواب القسم {مِنْهَا} أي من سبأ {أَذِلَّةٍ} أي حال كونهم أذلة بعدما كانوا فيه من العز والتمكين، وفي جمع القلة تأكيد لذلتهم، وقوله تعالى: {وَهُمْ صاغرون} حال أخرى، والصغار وإن كان عنى الذل إلا أن المراد به هنا وقوعهم في أسر واستعباد فيفيد الكلام أن إخراجهم بطريق الأسر لا بطريق الإجلاء وعدم وقوع جواب القسم لأنه كان معلقًا بشرط قد حذف عند الحكاية ثقة بدلالة الحال عليه كأنه قيل: ارجع إليهم فليأتوني مسلمين وإلا فلنأتينهم الخ.


{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)}
{قَالَ يَاءادَمُ أَيُّهَا الملؤا أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} في الكلام حذف أي فرجع الرسول إليها وأخبرها بما أقسم عليه سليمان فتجهزت للمسير إليه إذ علمت أنه نبي ولا طاقة لها بقتاله، فروي أنها أمرت عند خروجها فجعل عرضها في آخر سبعة أبيات بعضها في جوف بعض في آخر قصر من قصورها وغلقت الأبواب ووكلت به حراسًا يحفظونه وتوجهت إلى سليمان في أقيالها وأتباعهم وأرسلت إلى سليمان إني قادمة عليك لوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك، قال عبد الله بن شداد: فلما كانت على فرسخ من سليمان قال: أيكم يأتيني بعرشها.
وعن ابن عباس كان سليمان مهيبًا لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه فنظر ذات يوم رهجًا قريبًا منه فقال: ما هذا؟ فقالوا: بلقيس فقال: أيكم الخ، ومعنى مسلمين على ما روي عنه طائعين، وقال بعضهم: هو عنى مؤمنين، واختلفوا في مقصوده عليه السلام من استدعائه عرشها، فعن ابن عباس. وابن زيد أنه عليه السلام استدعى ذلك ليريها القدرة التي هي من عند الله تعالى وليغرب عليها، ومن هنا قال في الكشاف: لعله أوحى إليه عليه السلام باستيثاقها من عرشها فأراد أن يغرب عليها ويريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى به من إجراء العجائب على يده مع اطلاعها على عظيم قدرة الله تعالى وعلى ما يشهد لنبوة سليمان عليه السلام ويصدقها انتهى؛ وتقييد الإتيان بقوله: {قَبْلُ} إلخ لما أن ذلك أبدع وأغرب وأبعد من الوقوع عادة وأدل على عظيم قدرة الله عز وجل وصحة نبوته عليه السلام وليكون اطلاعها على بدائع المعجزات في أول مجيئها.
وقال الطبري: أراد عليه السلام أن يختبر صدق الهدهد في قوله: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] واستبعد ذلك لعدم احتياجه عليه السلام إلى هذا الاختبار فإن أمارة الصدق في ذلك في غاية الوضوح لديه عليه السلام لا سيما إذا صح ما روي عن وهب. وغيره. وقيل: أراد أن يؤتى به فينكر ويغير ثم ينظر أتثبته أم تنكره اختبارًا لعقلها.
وقال قتادة: وابن جريج: إنه عليه السلام أراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإيمان ويمنع أخذ أموالهم. قال في الكشف: فيه أن حل الغنائم مما اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم، وقال في التحقيق لا يناسب رد الهدية. وتعليله بقوله: {فما آتاني الله خير مما آتاكم} [النمل: 36]. وأجيب بأن هذا ليس من باب أخذ الغنائم وإنما هو من باب أخذ مال الحربي والتصرف بغير رضاه مع أن الظاهر أنه بوحي فيجوز أنه من خصوصياته لحكمة ولم يكن ذلك هدية لها حتى لا يناسب الرد السابق وفيه بحث، ولعل الألصق بالقلب أن ذاك لينكره فيمتحنها اختبارًا لعقلها مع إراءتها بعض خوارقه الدالة على صحة نبوته وعظيم قدرة الله عز وجل. ثم الظاهر أن هذا القول بعد رد الهدية وهو الذي عليه الجمهور.
وفي رواية عن ابن عباس أنه عليه السلام قال ذلك حين ابتدأ النظر في صدق الهدهد من كذبه لما قال: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] ففي ترتيب القصص تقديم وتأخير وأظن أنه لا يصح هذا عن ابن عباس.


{قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)}
{قَالَ عِفْرِيتٌ} أي خبيث مارد {مّن الجن} بيان له إذ يقال للرجل الخبيث المنكر الذي يعفر أقرانه، وقرأ أبو حيوة {عِفْرِيتٌ} بفتح العين. وقرأ أبو رجاء. وأبو السمال. وعيسى ورويت عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه {عفرية} بكسر العين وسكون الفاء وكسر الراء بعدها ياء مفتوحة بعدها تاء التأنيث، وقال ذو الرمة:
كأنه كوكب في أثر عفرية *** مصوب في سواد الليل منقضب
وقرأ فرقة {عفر} بلا ياء ولا تاء ويقال في لغة طيء وتميم: عفراة بألف بعدها تاء التأنيث، وفيه لغة سادسة عفارية؛ وتاء عفريت زائدة للمبالغة في المشهور. وفي النهاية الياء في عفرية وعفارية للإلحاق بشرذمة وعذافرة والهاء فيهما للمبالغة والتاء في عفريت للإلحاق بقنديل اه. واسم هذا العفريت على ما أخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن ابن عباس صخر.
وأخرج ابن أبي حاتم. وابن جرير عن شعيب الجبائي أن اسمه كوزن. وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان أن اسمه كوزي. وقيل: اسمه ذكوان {الجن أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ} أي بعرشها، وآتي يحتمل أن يكون مضارعًا وأن يكون اسم فاعل. قيل: وهو الأنسب قام ادعاء الإتيان به في المدة المذكورة في قوله تعالى: {قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} أي من مجلسك الذي تجلس فيه للحكومة وكان عليه السلام يجلس من الصبح إلى الظهر في كل يوم قاله قتادة. ومجاهد. ووهب. وزهير بن محمد. وقيل: أي قبل أن تستوي من جلوسك قائمًا {وَإِنّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ} لا يثقل على حمله. والقوة صفة تصدر عنها الأفعال الشاقة ويطيق بها من قامت به لتحمل الأجرام العظيمة ولذا اختير قوي على قادر هنا، وظاهر كلام بعضهم أن في الكلام حذفًا فمنهم من قال: أي على حمله ومنهمق ال: أي على الإتيان به، ورجح الثاني بالتبادر نظرًا إلى أول الكلام. والأول بأنه أنسب بقوله لقوي {أَمِينٌ} لا أقتطع منه شيئًا ولا أبدله.

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16